معضلة الفصائل: العُري التنظيمي وشبّاك التذاكر

معضلة الفصائل: العُري التنظيمي وشبّاك التذاكر

  • معضلة الفصائل: العُري التنظيمي وشبّاك التذاكر

اخرى قبل 2 سنة

معضلة الفصائل: العُري التنظيمي وشبّاك التذاكر

بكر أبوبكر

إن المنظمة أو التنظيم السياسي (وهو الوعاء الجامع) ذو القضية الذي يتصارع أفراده على القمة في عكس للهرم التنظيمي هو تنظيم فاشل، بل ويحفر قبره بيديه لاسيما وأن المفترض بالقضية أن تكون هي العامل الجامع وليس الوصول لشباك التذاكر (المؤتمرالانتخابي) الموصل لخشبة المسرح والمصداح (الميكروفون) (أي الهيئة القيادية)!

التنظيم الذي يكون جلّ تفكير أفراده هو الانخراط في عقلية المؤامرة والتنافس الحِدّي أوالكراهية المتبادلة، والصراع الفسطاطي الذي لا يستبين الألوان هو منظمة (جماعة أوتنظيم...) ذو أطر مهلهلة ومتابعة مفقودة وخروق كثيرة في الثوب فمن تغطى به فهو عريان.

نرى العُري اليوم في مختلف التنظيمات في منطقتنا العربية سواء اليسارية أو الوسطية أوالاسلاموية كما يحدث من انشقاقات عميقة فيها (أنظر كمثال فاقع نموذج الاخوان المسلمين وحربهم الضروس بين جبهة اسطنبول بقيادة د.محمود حسين، وجبهة لندن بقيادة د.ابراهيم منير، وتمرد أجنحة في جبهة مصر).

وكما يحصل في تنظيمات السودان، وسوريا والعراق، وكذلك الأمر داخل التنظيمات والفصائل الفلسطينية ما لايخفى على أحد.

إن التنظيم المخروق الثوب، أوالمرتبك، أوالتنظيم العاري هو التنظيم المتصارع بتصعيد صراعه للمقدمة على حساب التناقض الرئيس فيصبح آفلًا أو متآكلًا في مساحات عمله، حيث لا همّ ولا عمل الا التكتيل بالمعنى السلبي مع هذا أو ذاك أو إزاحة هذا أو ذاك وليس الهمّ الجامع المرتبط بالقضية، فيتآكل سياسيًا وثقافيًا وتصبح الديمقراطية خِرقة يتم التمسح بها لمجرد ذر الرماد في العيون .

افتقاد الهدف الكبير والتكدّس 

التنظيم الآفل الى ذلك هو التنظيم الذي يتكدّس فيه الأعضاء عند القمة، او يسعون للتكدس هذا (أي قمة هرم القيادة أوالسلطة التنظيمية ضمن الهرم التنظيمي) لا يدرون من أيامهم الا أن يَصِلوا لهذه القمة لتحقيق المكاسب! وكان القضية تفترض المكاسب لا التضحيات؟

والى المكاسب المادية والوظيفية والشخصية يضاف معاني الوجاهة أو المكانة أكانت حقيقية أوخلّبية فارغة، فإنها تمثل مسعي حقيق على كل ساعي لها أن يخوض صراعه كما يظن...

لقد افتُقد الهدف الكبير والجامع فثارت الأحقاد أوالمنافسات الإقصائية والصراعات الحدّية، وتكاثرت الشجون والآلام، وتبارز الكارهون لأنفسهم أو الآخرين.

ولم يعد المقياس أوالبوصلة عند هؤلاء المتصارعين هو مقدار العطاء أو العمل كما كان لنا من استفادة عظيمة من الدكتور العلامة العظيم على نايفة  الذي قال في مقابلة له أن المقياس يجب أن يكون هو حجم الانتاج وليس الكلام أو عدد السنوات.

هي نقاطٌ خمس

دعنا نقول بوضوح  ومن خلال نقاط خمسة التالي

أولا: التنظيم (المنظمة السياسية أساسًا) لا تدوم بلا عمل يومي ميداني متواصل ذو ديمومة، يخدم الهدف والرسالة والرؤية والاستراتيجية كما كان نهج الأوائل في إطارنا الفلسطيني أمثال ياسر عرفات وخليل الوزير وجورج حبش وخالد الحسن وفتحي الشقاقي وصلاح خلف وأحمد ياسين، وقبلهم عبدالقادر الحسيني وعزالدين القسام وأمثالهم من الكبار.

ثانيا: لا تنظيم يدوم بلا برنامج سياسي أو نظام (قانون) داخلي، (مرجعية) فكيف بالله عليكم يواجه مثل هذا التنظيم أنصاره؟ أو حتى أعداءه وهو بلا ماهيّة والماهية تنطلق من وجود السّراطية (الاستراتيجية) الواضحة والبرنامج السياسي الواضح، والقيم الواضحة، وكذلك الأمر من خلال وجود النظام الداخلي (القانون أوالدستور) الذي يؤمّن العلاقة الواضحة بين مختلف المسؤوليات، والمسؤولين والأعضاء وطبيعة التقاطعات والمهمات والواجبات الملقاة على عاتقهم لخدمة الهدف والاستراتيجية والبرنامج.

هل تظن أن تنظيم سياسي يسير بلا رجلين؟ وهما هاتان الرجلان أي البرنامج السياسي والنظام الداخلي؟

وإن رأيته يسير فهو أعرج أو يتكيء على تاريخه فقط أو على عظمة مؤسّسيه دون أمل له بمستقبل ناهض.

ثالثا: لاتنظيم بلا رؤية مستقبلية يستطيع بها، إذ كان عليه أن يرى المتغيرات ويستبق ردّة الأفعال بالفعل المحقق لهدف القضية كما كان يقول الكبير هاني الحسن بالتحليل السياسي حيث أن ستي (جدتي) تستطيع القول أنها تحلّل سياسة؟ ولكن ما الفرق بينها وبين القائد إن الفرق هو بالوعي بالمستجدات والمتغيرات وامتلاك الرؤية كما قال.

 ونحن تدهمنا المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والفكرية، والتقانية عبر فيوض الاتصالات المهدفة من وسائل التواصل ومنها التواصل الاجتماعي وعبر الشابكة (انترنت) والتطبيقات، ولا ندري كيف نتعامل معها أونصدها أو نُطوّعها أونستثمرها..

رابعاً: عندما تتمحور حياة معظم أعضاء المنظمة السياسية (التنظيم) حول المكاسب الذاتية أو الخاصة (نتيجة المناخ القيادي  الموبوء) باعتبارها المدخل الرئيس لمعاشهم وحياتهم ومكاسبهم التي تتفوق عندهم على الفعل الوطني أو الخادم للقضية المركزية فإننا نشهد حتمًا أفول الشمس أو النجم لهذا التنظيم. فالأعضاء لا يدركون دورة التاريخ وقيام ثم انهزام التنظيمات والأفكار والدول.

أما خامسًا: فإن نمو الشخصانية أوالأنا العليا أو عقلية البطريركية دون المؤسسية، وتفشي ظاهرة الاستبداد كلٌّ في موقعه، وعليه التفرد والتنعم بالوضع الذاتي المستقر خوفًا من الانتقال للوضع الجديد (أي بعيدًا عما يسمى منطقة الراحة حيث تجد خارجها ضرورة التعلم والإبداع ) يجعل التنظيم تقليديًا محافظًا (هل نقول رجعيًا أم منافقًا؟!) وقد يتحول لتنظيم ثانوي في حياة الناس، أو يأفل نجمه كليًا إن لم يلبس من الأثواب أزهاها عقلًا ومنهجًا واقترابًا من الناس.

(سلسلة حلقات سنصدرها في كتيب من مركز الناطور للدراسات ومركز الانطلاقة للدراسات، وهذه الحلقة الرابعةمنها)

الحواشي:

   هذا القول مجازي، ويقال بتعبيرات مختلفة؛ لأنه كناية عن التمويه والمغالطة وإلباس الحق بالباطل. يقال: ذَرَّ فلان الرماد في عين فلان، إذا خَدَعَه وضَلَّلَه وحَجَبَ الحقيقة عنه، فهو تعبير اصطلاحي؛ إذ هو مثل أوجار مجرى المثل، وشاع استعماله بهذا المعنى المجازي.

البرفسور علي نايفة رحمه الله عالم علامة يعد من القلة الموسومة برفسور مميز أي مثل انشتاين وهو بمقابلة ثرية له ذكر عوامل النجاح للموسسة. وكان مما ذكر الفرق بين التقدير ونواله في المؤسسة المحترمة فأوضح من التجربة أن العمل والانتاجية كانت المقياس والإتيان بجديد مفيد.

3   إن المناخ القيادي هو الجو النفسي العصبي الذي ينشره القائد حوله أو في مكان عمله وتأثيره، وفي نطاق  المرؤوسين  أو"الأتباع" أو الكوادر أو الأشخاص  تحت قيادته، ويجعل  منه أساس  الالتفاف  حول آرائه أوفكرة  أوسياساته أو عمله ما يتفاعل مع حاجات  وأفكار  جمهوره.

منطقة الراحة أوالأمان هي منطقة وهمية، تستخدم للدلالة على حالة نفسية يعيشها الفرد، بحيث يشعر بالسعادة و براحة كبيرة وطمأنينة غامرة ورضى كبير عن نفسه، معلوماته، مهاراته، قراراته، وحتى عن الأشخاص الذين يتعامل معهم والمكان الذي يتواجد فيه، حيث أن جميعها ثابتة لايوجد فيها أي جديد أو متغير، وهذا من شأنه سلب التحدي من الحياة للفرد،. تصبح   المعادلة  بسيطة وواضحة: تحديات أقل، مهارات أقل... وفي المقابل، تحديات أكثر، مهارات أكثر وأقوى خارج منطقة الامان أي في منطقة التعلم ومنطقة النمو التي تعني لهؤلاء المرتاحين على مقاعدهم الوثيرة الذعر من التغيير ورفضه.   

التعليقات على خبر: معضلة الفصائل: العُري التنظيمي وشبّاك التذاكر

حمل التطبيق الأن